الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا ، إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين ، أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات فأيها الإخوة الكرام ، أودع الله في الإنسان العقل ، وهو قوة إدراكية ، وهو حاجة عليا على المعرفة ، وما لم تلبَّ هذه الحاجة يهبط الإنسان عن مستوى إنسانيته إلى مستوى لا يليق به أبداً ، ما لم تلبَّ هذه الحاجة العليا ، ما لم يبحث الإنسان عن الحقيقة ، ما لم يبحث عن سر وجوده ، ما لم يبحث عن غاية وجوده ، ما لم يبحث عن الرسالة التي حمله الله إياها ، ما لم يبحث عن التكاليف التي كلفه الله إياها ، ما لم يسأل من أين وإلى أين ، ولماذا ، ما لم يتفرغ لمعرفة الحقيقة ، ما لم يطلب العلم يهبط عن مستوى إنسانيته إلى مستوى لا يليق به .
الناس رجلان : عالم ومتعلم ، ولا خير فيما سواهما ، << يا بني ، العلم خير من المال ، لأن العلم يحرسك ، وأنت تحرس المال ، والمال تنقصه النفقة ، والعلم يزكو على الإنفاق ، يا بني ، مات خزان المال وهم أحياء ، والعلماء باقون ما بقي الدهر ، أعيانهم مفقودة ، وأمثالهم في القلوب موجودة >>
<< << الناس ثلاثة : عالم رباني ، ومتعلم على سبيل نجاة ، وهمج رعاع أتباع كل ناعق ، لم يستضيئوا بنور العلم ، ولم يلجئوا إلى ذر يا كميل أن تكون منهم >> .
كلاسيدنا علي العقل مجموعة مبادئ :
المبدأ الأول : مبدأ السببية ، إذ إن عقلك لا يمكن أن يفهم شيئا بلا سبب ، المبدأ الثاني : الغائية :
كذلك لا يفهم شيئاً بلا غاية الثالث : عدم التناقض
ولا يقبل التناقض
العقل يرفض التناقض ، ولا يفهم شيئاً إلا بسبب ، ولا يفهم شيئاً إلا بغاية ، لكن الشيء الرائع أن أصل قوانين الكون أصلها سببية وغائية وعدم التناقض ، ولولا التطابق التام بين مبادئ العقل وقوانين الكون لتعطل العقل عن مهمته الكبرى ، وهي معرفة الله عز وجل ، لو أن الكون ليس فيه مبدأ السببية ، شيء يخلق فجأة بلا سبب ، العقل يرتبك ، لو بالعكس ، في الكون مبدأ السببية ، أما العقل لا يوجد هذا المبدأ ، تقول : ما دام السبب ليس ضرورياً لحدوث شيء فهذا الكون بلا خالق ، لكن ترى الدجاجة من البيضة ، والبيضة من الدجاجة ، مَن خلق الدجاجة الأولى ؟ من مسبب الأسباب ؟ الله جل جلاله ، إذاً : الله عز وجل عن طريق مبدأ السببية يأخذك برفق إلى ذاته ، هو مسبب الأسباب ، وعن طريق مبدأ الغائية يأخذك برفق إلى الغايات التي تتوخاها مما حولك .
البقرة كمية الحليب التي تقدمها كل يوم تفوق عشرة أضعاف حاجة وليدها ، لمن الحليب ؟ لنا العقل مهمته أن يرى شيئاً مادياً ، أو يرى آثار شيء مادي يحكم عليه من دون أن يراه ،
تعطيه آثار شيء يؤمن بالشيء ، شيء غابت ذاته ، وبقيت آثاره أداة اليقين به هو العقل إذاً : مهمة العقل هو أداة يقين في دائرة المعقولات ، أي أشياء غابت ذواتها ، وبقيت آثارها ، هذا مجال العقل مهمته محدودة بهذه الدائرة ، فالشيء الذي ظهرت ذاته وآثاره ، أداة اليقين به الحواس الخمس ، باليد الملمس ، بالجلد البرودة ، والحرارة بالجلد أيضاً ، المنظر بالعين ، لو لها صوت بالأذن ، الشيء المادي ظهرت عينه وآثاره ، أداة اليقين به الحواس الخمس ، أما إذا رأينا دخانا ، ولم نر النار نقول : عين النار غابت عنا ، بقيت آثار النار ، وهو الدخان ، العقل يحكم ويقول : لا دخان بلا نار .
أما إذا غابت ذات الشيء وآثاره معاً فالعقل يتعطل ، لا وظيفة له ، هذه الدائرة الثالثة دائرة الإخباريات ، الماضي السحيق من دائرة الإخباريات أي شيء عجز عقلك عن إدراكه أخبرك الله به
،فحينما يتخذ الإنسان قرارا خاطئا يكون عقله هو السبب
، العقل الصريح هو العقل الذي يقودك إلى الخير ، إلى الفلاح ، إلى النجاح ، إلى الإيمان بالله ، إلى طاعة الله ، إلى خدمة الخلق ، إلى الإقبال على الله ، وأما العقل التبريري فكأن تحتل بلداً ، وتزعم أنك احتلته من أجل الحرية والديمقراطية ، فإذا الواقع عكس ذلك ، نهب للثروات ، وقتل للبشر بلا حساب ، لذلك أخطر شيء العقل التبريري ، هذا عقل ساقط محتقر ، يغطي الشهوات ، يغطي الانحرافات ، يغطي التفلت ، وكلما جلست مع إنسان عاص ، واستمعت إلى تبرير أعماله فهو يستخدم عقله التبريري ، وكلما التقيت مع إنسان عاقل مستقيم مؤمن يستخدم عقله الصريح ، لذلك الحق دائرة تتقاطع فيها أربعة خطوط خط النقل الصحيح وخط العقل الصريح وخط الفطرة السليمة وخط الواقع الموضوعي ، العقل الصريح النقل الصحيح الفطرة السليمة الواقع الموضوعي .
أيها الإخوة ، كما قلت قبل قليل : العقل حينما تستخدمه لخلاف ما خلق له يكون سبب الدمار لكن العقل يستنير بوحي السماء ، ويستنير بتوجيهات الخالق الصانع الحكيم .
العقل يمكن أن يصل بك إلى الله ، ولكن لا يمكن أن تحيط بعقلك بالله عز وجل :
، فأنت بعقلك وصلت إلى الله ، أما إذا أمرك الله بأمر فينبغي أن تنصاع له ، تماماً كما لو أن إنسانا بحث عن طبيب في أعلى مستوى من العلم والإخلاص والفهم والمراس والتجربة الكفاءة ، فلما وصل إلى الطبيب بعقله قال له : إياك وتناول الملح ، لن تستطيع أن تحاوره ، عقلك أوصلك إليه يجب أن تأخذ أمره بحسب إيمانك بتفوق هذا الطبيب .
لكن العقل كحياتنا فيها خطوط حمراء ، كذلك أمام العقل خطوط حمراء كثيرة جداً ، لكن أبرز هذه الخطوط : (( تفكروا في مخلوقات الله ، ولا تفكروا في ذاته فتهلكوا )) .
[ الجامع الصغير عن ابن عباس بسند ضعيف إنّ العقل أعجز من أن يتفكر في ذات الله كما قلت قبل قليل ، والعقل موضوعه مادي ، وذات الله لا يمكن أن يحيط به عقل ، لذلك من أعمل عقله في ذات الله ربما هلك ، وربما اختل ، وربما أصيب بالجنون ، يقول عليه الصلاة والسلام : (( تفكروا في مخلوقات الله ، ولا تفكروا في ذاته فتهلكوا )) .
،، أيها الإخوة ، من البطولة ألا تعرض على المشككين في الدين القضايا الإخبارية ، فإن عرضت هذه القضايا الإخبارية وقعت في حرج شديد ، لأن هؤلاء لن يدركوا ما معنى أن هذا الموضوع موضوع إخباري ، أي أن العقل لا يستطيع أن يخوض فيه إطلاقاً ، هذا موضوع إخباري صرف
عَنْ أَبِي ذَرٍّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا رَوَى عَنْ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّهُ قَالَ : (( يَا عِبَادِي ، إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي ، وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا ، فَلَا تَظَالَمُوا ، يَا عِبَادِي ، كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلَّا مَنْ هَدَيْتُهُ ، فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ ، يَا عِبَادِي ، كُلُّكُمْ جَائِعٌ إِلَّا مَنْ أَطْعَمْتُهُ ، فَاسْتَطْعِمُونِي أُطْعِمْكُمْ ، يَا عِبَادِي ، كُلُّكُمْ عَارٍ إِلَّا مَنْ كَسَوْتُهُ ، فَاسْتَكْسُونِي أَكْسُكُمْ ، يَا عِبَادِي ، إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ ، وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ، فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ ، يَا عِبَادِي ، إِنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضَرِّي فَتَضُرُّونِي ، وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي فَتَنْفَعُونِي ، يَا عِبَادِي ، لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ ، وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ ، كَانُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ مَا زَادَ ذَلِكَ فِي مُلْكِي شَيْئًا ، يَا عِبَادِي ، لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ ، وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ ، كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئًا ، يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ ، وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ ، فَسَأَلُونِي فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلَّا كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ ، يَا عِبَادِي ، إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ ، ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا ، فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدْ اللَّهَ ، وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ )) .
[أخرجه مسلم]